الاثنين، فبراير 02، 2009

الإصلاح 1

لاشك في أن حال الأمة الإسلامية اليوم ليس بالحال المرضي ؛ فلم تعد أمة مرهوبة الجانب ، موحدة الصف ، عالية الراية ، آخذة بناصية المدنية ، وأدوات الحضارة والرقي . وهو واقع ساهم في وجوده عوامل كثيرة ، وأسباب عديدة . 
وهذا الواقع يتطلب إصلاحا ، ويحتاج إلى من يسعى إلى إزالة أسبابه ، ويعمل على رد الأمة إلى الطريق الصحيح ، والمسار الصاعد الذي ينتهي بها إلى ارتقاء قمة المجد ، وتسلم راية القيادة والريادة ؛ لأن ذلك الإصلاح شرط لازم لعودة الأمة إلى سالف مجدها ، وأخذها في مسارب الرقي والمدنية .  
إن الإصلاح الذي أعنيه هو ذلك الجهد المبذول لإكمال نقص ، أو تقويم اعوجاج ، أو تصحيح خطأ ، أو استحداث ما تحتاج إليه الأمة في أمر دنياها، ويكون الهدف من ورائه تحقيق مصالحها المشروعة . 
فالإصلاح بهذا المعنى مهمة عظيمة لا يتصدى لها إلا ذوو الهمم العالية ، والنفوس العظيمة ؛ ولا ينجزها إلا أصحاب العقول الكبيرة والفهوم الواعية ؛ الحاذقون بالداء العالمون بأسباب الدواء . 
وبهذا يتبين لك أن ميدان الإصلاح فسيح ، وأدواته متعددة ،ومتطلباته كثيرة ، ولا يحققه إلا من كان على دراية بذلك كله . فميدان الإصلاح فسيح ؛ لأنه واسع يشمل أمور الدين والدنيا ، وممتد يصل الدنيا بالآخرة . 
وأدواته ومتطلباته غير محصورة في الأمور المادية ، وعلوم الدنيا ، ووسائل التقنية والقائمون عليه متعددوا المواهب ، مختلفوا التخصصات والمهارات ، يجمعهم ولاءهم لخالقهم ثم لأمتهم ، وحرصهم على أن تتسيد هذا الأمة الدنيا وتحقق الخلافة الحقة في الأرض .
 وبهذا يتضح أن عملية الإصلاح عملية ضخمة تحتاج إلى جهود كل المخلصين العالمين بأمور الدين والدنيا ، وأنه ليس من شرط الإصلاح أخذ الأمة بعيدا عن ثوابت دينها، أو هجرها لما هو مستقيم من أمرها ، وأن من الخطأ حصر الإصلاح في الجانب المادي فقط ، أو أن نحده بالدنيا فحسب ، بل إن الإصلاح يجب أن يشمل تصحيح أمور الدين والدنيا ، وأن يكون الهدف منه إصلاح الدنيا والآخرة ، وتحقيق مصالح الأمة .    إن الإصلاح لا يكون بجر الأمة إلى الوراء دون مراعاة لروح العصر ، وواقع الناس تمسكا باجتهاد أخذ به أئمة ربانيون لمعالجة قضايا زمنهم ، وأحداث واقعهم .   

كما أنه ليس من الإصلاح العمل على أن تنسلخ الأمة من دينها ، أو اتخاذ مواقف تتصادم مع ثوابت العقيدة ، ومحكمات الدين . والإصلاح لا يكون بموالاة أعداء الأمة ، وكشف عوراتها لهم ، وتسليطهم على مقدراتها ، وترصد أخطائها وإشاعتها للتشكيك في مسيرتها ، وتوطئة أكنافها تمهيدا لعزلها عن مكمن قوتها ، وشرط انبعاثها . 
وليس إصلاحا كل عمل يؤدي إلى تفريق كلمة الأمة ، وتشتيت صفها ، وزيادة ضعفها ، واستباحة دماء أبنائها ، وانتهاك حرماتها ، وتدمير مقدراتها ، ونقض عهودها . 
إن من يتتبع مواقف المتصدرين للقيام بإصلاح واقع المسلمين ، يجد أنهم تفرقوا شيعا وأحزابا ، وقف كل حزب منهم ضد الآخر ، ووصل ببعضهم الأمر إلى أن مد يده إلى من يريد اجتثاث الجميع ، فازداد بذلك ضعف الأمة ، واشتد فقرها ، وتخلفت عن ركب المدنية ، فلم يصل أولئك المصلحون إلى ما يريدون ، ولم يحفظوا مقدرات الأمة ، ويصونوا حرماتها . 
وهو أمر يستدعي من كل الغيورين التوقف عنده ، والعمل على تصحيحه ، إذا أرادت هذه الأمة العظيمة أن تصل إلى غايتها ، وتستعيد هيبتها ، وتبني مجدها .








































ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق