الاثنين، فبراير 02، 2009

شروط الإصلاح ( 3 )

ومن شروط الإصلاح أن يكون المصلح عالما بحال الأمة ، ولكي يحيط المصلح بحال أمته فعليه أن يمد بصره لغابر أيامها ، ويستقرئ تاريخها ، ليعرف المراحل التي مرت بها ، وأحوالها في تلك المراحل من قوة وضعف ، وتقدم وتقهقر ، ويطلع على أسباب ذلك كله ولا يخفى على الأريب أن أسباب علو الأمة الإسلامية وانحطاطها معروفة ، ومصادر تلك المعرفة متوفرة ، ومن تصدى لإصلاح واقع الأمة دون أن يكون على علم بذلك فليس جديرا بأن يتبوأ ذلك المنصب ، ولا أن يكون في طليعة الركب . وإن من فوائد استقراء التاريخ أن تتبين لمن يريد أن يتصدى للنهوض بالأمة من كبوتها سنن الله الكونية والشرعية في أحوال الناس والأمم ، فإن سنن المولى تبارك وتعالى ثابتة ، ومن تعاطى أسباب سنة من السنن حصًل – بإذن الله - النتيجة المترتبة عليها شرعا وقدرا ومعرفة حال الأمة ضروري أيضا لمن يتصدى للإصلاح ليعلم بما لديها من أسباب القوة ، ويطلع على مكامن الضعف فيها ، فيمكنه ذلك من تسخير طاقته ، وبذل جهده في سبيل تنمية جوانب القوة ، وسد ثغرات الخلل ومعالجة أسباب الضعف ولا شك أن من لازم معرفة حال الأمة أن يعرف المصلح موقعها بين الأمم المعاصرة وموقف تلك الأمم منها ؛ ليتمكن من بناء علاقات تخدم مصالح أمته ، ويستثمر المواقف المواتية لتجنب آثار المواقف المعادية لتوجهات الأمة الإسلامية ، ورسالتها في الحياة . إن مما أصاب الأمة الإسلامية في مقتل أن قام من أبنائها من يزعم أنه يريد أن يعيدها إلى سابق عهدها قوية البنيان ، مرهوبة الجانب ، متقدمة في كل ميادين الحياة ؛ يزعم ذلك وقد قصر بصره عن النظر إلى واقع أمته وواقع الأمم الأخرى المعاصرة لها مما ترتب عليه أن جيش الأعداء على الأمة وجمع كلمتهم عليها بسبب ما يرفع به عقيرته من صيحات التحذير من كل من ليس على دين الأمة وملتها من غير فرز للمواقف ، وبسبب ما يقوم به من أعمال تشوه الإسلام في نظر الآخرين ، وتستعدي أناسا كان بالإمكان أن يكونوا في موقف الحياد إن لم يمكن جذبهم إلى صفوف الأمة وإقناعهم بالدخول في دين الإسلام . وإنما كانت معرفة حال الأمة أمرا ضروريا ، لأن ذلك شرط أساس للنهوض بها ، ولأن للأمة حاجات كثيرة - سواء أكانت تلك الحاجات دينية أودنيوية - ولا يعرف تلك الحاجات إلا من كان مطلعا على حال الأمة وظروف واقعها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق