الأحد، أغسطس 30، 2009

اعترافات المحمود في مواجهته (1) لقد قرأت الحوار الذي أجراه الأستاذ ساري الزهراني مع محمد بن علي المحمود ونشر في ملحق الرسالة على ثلاث حلقات في صفحة " مواجهات " بتاريخ 19، 26/6و 3/7/1430هـ ، وليس فيما قاله المحمود عن الليبرالية جديد ، ولكن نشر آرائه ومعتقداته بالصورة التي جاءت في المواجهة ربما أنه أتاح لمن كان لا يحتفل بمطاردة مقالات المحمود وكتاباته وحواراته أن يعرف عن قرب زيف أفكاره ودعاويه ، وكذلك فإن طبيعة المواجهة ومكانها ستتيح الفرصة للرد على هذه الأفكار والدعاوى . وربما يكون هذا هو الجديد في الأمر خاصة إذا أخذنا في الحسبان أن الرد على المحمود من خلال المنابر التي يصول فيها ويجول قد يكون غير ممكن . ولقد قمت بعد قراءة ذلك الحوار بتسجيل اعترافات المحمود التي أعلنها من خلاله والتعليق عليها على سبيل الاختصار . وذلك على النحو التالي : أولا : اعتراف المحمود بأن الليبرالية مذهب وضعي : لا ينكر أحد أن الليبرالية عقيدة وضعية ، إلا أن اعتراف المحمود بهذا له قيمته العلمية ، وأثره في الحكم على الليبرالية . فقيمته العلمية تنبع من كونه صادرا من رجل خبير بالليبرالية مؤمن بها داع إليها ، فهو ليس بمتهم فيما يقول . وأما أثر هذا الاعتراف في الحكم على الليبرالية ، فيتجلى فيما يلي : 1. أن الليبرالية ناقصة بالاستناد إلى حكم العقل باعتباره أداة الفاعلية الإنسانية التي يؤمن بها المحمود . وذلك أن الليبرالية نتاج جهد إنساني محكوم بظروف الزمان والمكان ومحدودية القدرة والرؤية . فإن الإنسان مهما بلغ من العلم وأوتي من القدرة وأتيح له من الإمكانات يبقى عاجزا عن إدراك المصلحة والمفسدة بالنسبة للإنسان ؛ لأن مصلحته لا تتحدد بالدنيا فقط بل تتعداها إلى الحياة الأخرى ، ولأن ما قد يبدوا منفعة أو مفسدة من أول وهلة ليس كذلك بحسب المآل . وإذا كانت الليبرالية ناقصة بحكم العقل فإنها لا تستاهل تلك الهالة العظيمة ، وذلك الاحتفاء الكبير ، وتلك المكانة الرفيعة التي منحها إياها المحمود هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن ذلك يثبت أن المحمود يناقض دعواه باعتماد حكم العقل . 2. أن الاعتراف بكون الليبرالية مذهبا وضعيا يعطينا اليقين بأنها تحمل صفات واضعها ، وظروف نشأتها . وبما أنها نشأت في بيئة غير إسلامية ، وأنتجها فكر لا يؤمن بالإسلام ، فإن الإيمان بها والسعي إلى نشرها والعمل على التمكين لها والدفاع عنها في البلاد الإسلامية، وفي المجتمع المسلم ، هو في واقع الأمر انتقاص للمنهج الرباني الكامل الذي ارتضاه المولى تبارك وتعالى وأكمله ، ودفع له . ومحصلة ذلك أن الليبرالية أكمل من ذلك المنهج وأقوم سبيلا . وبالتالي فقول المحمود : " نحن لا نريد ليبرالية عابرة لشرطنا الثقافي، وإنما نريد- كمسلمين- ليبرالية إسلامية " وقوله : " أما الليبرالية الإسلامية التي أتحدث عنها، فهي التي تأخذ من الإسلام ثوابته وكلياته ومقاصده، وتنطلق- من ثم -في الفضاء الليبرالي الفسيح، مجترحة من هذا وذاك حضورها الخاص " قول متهافت متناقض ، ولكن لا بد منه ليكون مقبولا في المجتمع محل الفعل عند الليبراليين 3. وإذا كانت الليبرالية تحمل صفات واضعها وظروف نشأتها، فإنها نشأت في المجتمع الغربي النصراني . يقول المحمود : " الليبرالية الغربية ليست حدثا طارئا، أو فكرة عابرة، حتى يكون الكلام عليها مجرد إعجاب عابر، أو انبهار خاطف. هذه الليبرالية هي التجربة الغربية في القرنين الماضيين. وهي تجربة تمتد خيوطها الخافتة منذ بدايات عصر النهضة قبل ستة قرون، ولها جذورها في التجربة اليوناينة القديمة) ولا شك في أن الغرب النصراني يختلف عن المجتمع المسلم في جوانب كثيرة ليس أقلها العقيدة التي يؤمن بها ، وهي التي جعلته ببطلانها وتسلط رجالها يسعى ليتحرر من سلطانها فالغرب النصراني أوجد الليبرالية كمخرج له من تناقضات عقيدته وجمودها ، وسلطان الكنيسة ، ولذلك أوجدها منبتة الصلة عن القيم والأخلاق والضوابط والأحكام الربانية . وكل ذلك ليس موجودا في عقيدة الإسلام وشريعته ، وليس لعلماء الإسلام سلطان خارج بيان الحق على مقتضى الدليل الشرعي . وبالاستناد إلى حكم العقل ، فإن من الواجب علينا أن نسأل المحمود ومن والاه ، هل يجوز عقلا أن تستنبت فكرة ومذهب نشأ في ظروف معينة في مجتمع معين ، هل يجوز أن تستنبت تلك الفكرة في مجتمع آخر يختلف في عقيدته وشريعته وقيمه وظروفه عن المجتمع الذي نشأت فيه تلك الفكرة ؟ وإذا افترضنا أن الجواب سيكون ب(بنعم ) على هذا السؤال ، فهل يجوز أن يكون استيراد تلك الفكرة واستنباتها قبل النظر في مدى الحاجة إليها ومعرفة مدى صلاحيتها للبيئة والمجتمع الذي ستستنبت فيه ؟ وهذا السؤال مطروح من حيث النظر العقلي وإلا فالمسألة محسومة من الوجهة الشرعية من خلال نصوص الكتاب والسنة الصحيحة والصريحة ، ولكن القوم بينهم وبين النص عداء ظاهر . إن التقليدين كما يسميهم المحمود والعقلاء من أبناء الأمة يدركون أن المسلمين اليوم ليسوا في أحسن حالهم ، ولا هم في المكانة التي ينبغي أن يكونوا فيها ، ويدركون أن أوضاع الأمة تحتاج إلى إصلاح ، ولكنهم يدركون أيضا أن تخلف الأمة ليس لأنها تخلت عن قيم الليبرالية والبعد عن فضائلها . صحيح أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها ولكن التقليدين يدركون – بحكم الشرع والعقل – أن الليبرالية ليست هي الحكمة التي يجب على المؤمن أن يبحث عنها ، أو يحصلها . ثانيا : اعتراف المحمود بأن الليبرالية نظام شامل للحياة : إن العقيدة الليبرالية من وجهة نظر المحمود صانعة الحضارة المعاصرة ، وعلى يديها تخلقت المبادئ الإنسانية الحقة ، وهي المنقذة للبشرية من ظلمات الجهل ودركات التخلف ، وهي التي نقلت البشرية نقلة نوعية لم يسبق لها مثلها . هذا الكلام ليس تقولا على المحمود بل قاله بنصه كما جاء في الحوار ، فقد جاء فيه أن الليبرالية : " نقلت البشرية نقلة نوعية، لم يسبق أن حظي بمثلها الإنسان في تاريخ الإنسانية الطويل. الليبرالية الغربية ليست هي الأب الحقيقي للتحولات النوعية، في مستوياتها : المعرفية والاقتصادية والاجتماعية، فحسب، وإنما هي التي عززت وعي الإنسان بقيمته، وشرّعت القوانين التي تحافظ بها على آدميته، وأنقذت -رغم كل أخطائها التاريخية- البشر من عهود الفقر والمرض والجهل والرق الاستعبادي" وهي " النضال الفكري والتجربة الحية التي صنعت الحضارة المعاصرة التي تنعم بها البشرية الآن... مبادئ الإنسانية الحقة تخلّقت على يَدَي الروح الليبرالية التي اتسمت بها الثقافة الغربية في قرنيها الأخيرين خاصة. ولم يقف ضد النازيات والنظم الشمولية والدعاوى العرقية العنصرية إلا هذه المبادئ الليبرالية، التي تكافح إلى الآن في سبيل تحقيق اكتمال نسبي في مجال الحفاظ على حقوق الإنسان." وقال : " نحن استفدنا من هذه النهضة أكثر بكثير مما استفاد منها صانعوها أو روادها الأوائل، الذين خلقوها من رحم الآمال والآلام. وربما كانوا لا يتوقعون آنذاك أنها ستغير وجه الأرض على هذا النحو الذي نراه الآن. ولهذا، من الطبيعي أن نكون أحرص عليها من صانعيها، فالمريض يحس بقيمة الدواء، أكثر مما يحس به مكتشف أو صانع الدواء. والعالم العربي والعالم الإسلامي، كلاهما اليوم مريض ينتظر الدواء بفارغ الصبر!.) إن القارئ لهذا الكلام الذي قاله المحمود عن الليبرالية لا يملك إلا أن يقول إن الليبرالية -بهذا المفهوم ، وبهذه الصفات - نظام شامل يحكم جميع مسارات الحياة ، ويلبي كل متطلباتها، ويعالج كل مشكلاتها ، وليس للبشرية – من وجهة نظر ليبرالية – حاجة فيما سواها ، بل هي مستغنية بها عن غيرها . ولست أدري ما هي قيمة الإسلام في نظر اللبراليين بعد هذا ؟ وما هو دوره في الحياة ؟ د . إبراهيم بن عبد الله الزهراني diaa45i7@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق