الأحد، أغسطس 30، 2009

اعترافات المحمود في مواجهته (2) ثالثا: اعتراف المحمود بعلو قيم الليبرالية على ما سواها : مع أن المحمود اعترف بما في الليبرالية من ثقوب وفواجع ؛ حيث قال : " وأنا مع تقديري للمنجز الغربي الليبرالي، إلا أنني أدرك الخروقات الكثيرة التي رافقت هذه المسيرة الطويلة. بكل وضوح، أدرك حجم الفواجع والانتهاكات " إلا أنه مع ذلك الاعتراف بشر بعلو الليبرالية ؛ لأن قيمها تسمو على كل قيمة أخرى . يقول المحمود في بيان ذلك : " إن هذا الانفتاح المباح للجميع ، في غير الإعلام الرسمي ، سيعزز موقف الليبرالية ؛ لأنها هي التي تحمل القيم الإنسانية التي يطمح إليها الإنسان بطبعه. الكل يبحث عن الحرية ، والليبرالية تمنحها ، والكل ينتظر النهضة، والليبرالية - بقيمها- تمهد لها. إن الزمن الليبرالي ، حظ الليبرالية" يقال : إن الحب يعمي ويصم ولكن أن يعمي هذا الحب والعشق ويصم عن إبصار قيم الإسلام الذي انزله الله ليكون للعالمين صراطا مستقيما وهديا راشدا وإنقاذا للإنسانية من وهدة التخلف والضلالة أن يعمي ذلك الحب عن رؤية قيم الإسلام وسموها على كل قيم الأديان والمذاهب الأخرى فأمر لا يمكن تفسيره بمجرد التقدير دون التقديس كما يقول المحمود حينما قال له الأستاذ ساري الزهراني " بهذا أفهم أنك تقدس الليبرالية الغربية " فرد عليه قائلا : " ليس هذا تقديسا بل هو تقدير " والخطورة ليس في هذا العمى وحسب بل فيما يترتب عليه من ولاء وبراء لليبرالية ومما عداها . وهنا يثور سؤال يجب على المحمود بعقلانيته الكبيرة وليبراليته المعتدلة!! أن يجيب عليه ، ومضمون هذا السؤال هو : ما حكم المسلم الذي يقول بتقدير قيم أخرى غير قيم الإسلام - بل وسموها على قيمه - يوالي عليها ويعادي عليها ؟ ما حكم من يقول : " أصيح !) على أي تقليدي يهاجم الليبرالية؛ لأنه يهاجمها؛ إما عن جهل فاضح ... وإما عن عداء لقيم الليبرالية، التي تشكل الأساس لتكوين وعي إنساني بالإنسان. فهو ضد الليبرالية لأنها تشعل جذوة الحرية الفردية في القلوب، وتحرر الناس من التبعية السلبية لما عليه الأسلاف، وتمنح العقل مكانة يجترئ بها على التساؤل " ما حكم من يقول عن أي قيمة سوى قيم الليبرالية إنها : " قيم التخلف والتقليد البليد " ويصف ما سوى الليبرالية ب " المنظومات الأخرى، ذات الطابع الدوغمائي التي تجعل من مبادئها مبادئ في المطلق، والتي لا بد أن تؤدي إلى صدام حاد مع كل مكونات الواقع؛ بحكم ثبوتها وتغير الواقع" لقد وصف المحمود المجتمع الغربي بقوله " إن الغرب لا يدين بالإسلام " ومع ذلك يقول المحمود إن المجتمعات الغربية : " هي أفضل المجتمعات الإنسانية كافة، وأكثرها ثراء بالإنساني، وأقدرها على الانعتاق من قوانين الطبيعة وقيودها " وهو كلام يدل على ولاء المحمود للغرب الليبرالي بسبب ما هم عليه من عقائد وقيم ومبادئ ، في حين أنه يعادي التقليدين بسبب ولائهم لعقيدتهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم والصالحين من سلف أمتهم . وهو كلام من الوضوح بحيث لم يعد لمتأول أن يحمله على غير ما بينته آنفا . رابعا : اعتراف المحمود بعداوته لأهل الحق حفاظ الوحيين ، وفقهاء الدين ، وعلماء الإسلام ، ودعاة الحق ، ورافعوا راية الفضيلة هم في اعتبار المحمود ومن وجهة نظره الليبرالية ( تقليديون ) مهمة العقل عندهم " التلقي السلبي للتلقين " والعلم في مفهومهم " الحفظ وتكرار ما قيل سلفا " وبما أن مفهوم العلم ومهمة العقل من وجهة النظر الليبرالية تختلف عما عند التقليديين ف" الحفظ ليس فاعلية علمية " ومهمة العقل " في الفاعلية الإنسانية التي ترتقي بالإنسان التحليل المشروط بشروط السياق الواقعي" وبهذا المفهوم الذي حدده المحمود للعلم ، والميدان الذي حصر وظيفة العقل فيه فإن التقليدين أصبحوا جهالا معطلين للعقل " وهنا من الطبيعي أن يعارض التقليدي الليبرالية، لأنها تحرمه من سذاجة الأتباع وانقيادهم له دون تساؤل أو اعتراض" ويحاصرون المحمود لأنهم يخشون مما يقوله " إنهم يخشون ما أريد أن أقوله، ولا يستطيعون رده بالفكر، ومن ثم ، يحاصرونه بسياج من الخوف " إن التقليدين بعد هذا التحديد لهم من وجهة نظر المحمود أصبحوا خارج سياق التاريخ ، وغير قادرين على تبوء منصب القيادة والتوجيه للمجتمع المعاصر ؛ لأن " معظم التقليديين – في أحسن أحوالهم – مجرد حفاظ للمعلومة المجردة ، وأحيانا المعلومة الخطأ حتى في وضعها الذي يجردها من أي سياق . فهم على أحسن أحوالهم نقلة علم ، ولكن لا علاقة لهم بالممارسة العلمية " التقليديون لا يستطيعون أن يقدموا المعالجة الناجعة لقضايا العصر لأن " التراث يتحدث – وبصورة سلبية على ألسنتهم . كلما حدث حادث ، أو وقعت أزمة ، أو استجد جديد تراهم يغرقون أنفسهم والمجتمع من حولهم في أقوال السابقين ، ويوردون الرؤى التقليدية التي كانت مشروطة بشرطها التاريخي على ما هي عليه بغية حل إشكال واقعي مغاير " إنهم حينما يستحضرون التراث لمعالجة القضايا المعاصرة " يزيفون الإشكالية المشدودة – بقوة الراهنية- إلى الحاضر ، ويفترضونها على صورة مغلوطة ومن ثم يقدمون – بالضرورة – الحل المغلوط أو الحل المأزوم " والتقليديون " ليس لديهم كلهم علم بما وراء ذلك ( التراث التقليدي) من مفردات المعرفة الإنسانية المعاصرة الضرورية لفهم الواقع " إشكالية المحمود هنا أنه كذب كذبة وصدقها . وهذه مصيبة عظمى وداهية دهياء أن يتكلم المحمود وهو الليبرالي المعتدل! بالكذب على خصومه ، بينما مبادئ الرجولة والكرامة والمروءة قبل أحكام الشرع تنهى عن ذلك ، وتأمر بالعدل . والكذبة التي كذبها المحمود تتجلى في التالي : 1. أن المفهوم الذي ذكره المحمود للعلم ليس هو مفهومه عند السلف والخلف من التقليديين ، بل قد ذكر في ( أبجد العلوم ) سبعة عشر قولا في تعريف العلم ، ومن تلك التعريفات تعريف الشوكاني للعلم بأنه " صفة ينكشف بها المطلوب انكشافا تاما " ولا شك في أن انكشاف المطلوب لا يحصل بمجرد الحفظ بل لا بد معه من فهم المحفوظ وانكشاف المطلوب. 2. أن وظيفة العقل عند التقليدين ليست هي التلقي السلبي كما ذكر المحمود ، بل إن فهم الواقع شرط ضروري لتنزيل الحكم الشرعي عليه ، وفهم الواقع يحتاج إلى تحليل مشروط بالتزام قواعد التحليل العلمية . ولذلك كان الِاجْتِهَادَ عند التقليديين على ثلاثة أضرب الأول : ما يسمى تنقيح المناط الضرب الثاني : ما يسمى بتخريج المناط الضرب الثالث : ما يسمى بتحقق المناط ؛ وهو نوعان عام وخاص . وكل هذه الأقسام تحتاج إلى إعمال العقل من أجل تحليل النازلة وفهمها ومن ثم تطبيق الحكم الشرعي المناسب لها . 3. أن كلام السلف ليس كله كلام مشروط بسياقه التاريخي ؛ لأن كلامهم إما أن يكون تأصيلا وتقعيدا مستنبطا من نصوص الوحيين ومصادر التشريع، فهو كلام لا بد من مراعاته عند النظر في النوازل والحوادث في كل عصر . وإما أن يكون حلولا لقضايا نازلة في عصرهم يمكن القياس عليها ، وإما أن يكون حلولا لقضايا مشروطة بشرطها التاريخي . وبالتالي فكلام المحمود كلام غير صحيح حينما جعل كلام السلف كله كلاما مشروطا بسياقه التاريخي ، وهو غير صحيح أيضا حينما جعل كل نوازل العصر مشدودة بقوة الراهنية إلى الحاضر ، فبعض النوازل المعاصرة يمكن الحكم عليها بالقياس على النوازل التي تكلم عليها السلف للمشابهة بين النوازل المعاصرة والمتقدمة ، وهو غير صحيح من جهة ثالثة حينما جعل كل كلام التقليديين اجترارا لكلام السابقين من غير نظر واعتبار . يتبع د . إبراهيم بن عبد الله الزهراني diaa45i7@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق