الأحد، أغسطس 30، 2009

بسم الله الرحمن الرحيم الأصل في العلاقة بين المسلمين هي علاقة الأخوة المحكومة بالحب في الله ، والثقة بين المتآخين ، والوفاء بالعهد ، وكتمان السر ، وستر العورة ، والصدق في النصح ، والبعد عن الضر انطلاقا من توجيهات الوحي في ذلك كله . يقول الله تعالى : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }الحجرات10 ، وقال : { وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً }الإسراء34 وقال صلوات الله وسلامه عليه : « الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ ، وَمَنْ كَانَ فِى حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِى حَاجَتِهِ ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » . إن علاقة الإخاء ، وطول العشرة مع ضعف الإنسان وكثرة همومه ، وتعدد أسراره وخصوصياته ، ووجود وجهات نظر لديه في الأشخاص والأحداث من حوله لتدعوه لأن يبوح ببعض أسراره وخصوصياته لصاحبه وصديقه ، ويقوم بالكشف له عن آرائه ووجهات نظره وعما يختلج في صدره ، ويدور في خلده من رؤى وأفكار ، وخطط ومواقف . يفعل ذلك ثقة في صاحبه معتقدا صدقه وأمانته ، ودوام مودته ، وقد يكشف له عما طواه صدره طلبا للنصح والمشورة ، ورغبة في الدلالة على ما هو أرشد من المواقف ، وأقوم من الأفعال ، وأسد من الأقوال والتصرفات . يقول الماوردي - رحمه الله- : " إن من الأسرار ما لا يُستغنى فيه عن مطالعة صديق مساهم، واستشارة ناصح مسالم " وإن ما يبوح به المرء لصاحبه من الأسرار هو أمانة في عنق ذلك الصاحب لا يجوز له أن يخبر به ، ويحرم عليه أن يخون ما أؤتمن عليه . قال النووي : " : ومما ينهى عنه إفشاء السر ، والأحاديث فيه كثيرة ، وهو حرام إذا كان فيه ضرر أو إيذاء. " وذكر الغزالي في الإحياء رواية عن معاوية رضي الله عنه أنه قال : " إفشاء السر خيانة ؛وهو حرام إذا كان فيه إضرار، ولؤم إن لم يكن فيه إضرار " قال ابن بطال : " السر أمانة وحفظه واجب، وذلك من أخلاق المؤمنين . قال المهلب: والذى عليه أهل العلم أن السر لا يباح به إذا كان على المسر فيه مضرة، وأكثرهم يقول: إنه إذا مات المسر فليس يلزم من كتمانه ما يلزم في حياته إلا أن يكون عليه فيه غضاضة في دينه " أ. هـ قال ابن حجر معقبا على كلام ابن بطال : " قُلْت : الَّذِي يَظْهَر اِنْقِسَام ذَلِكَ بَعْد الْمَوْت إِلَى مَا يُبَاح ، وَقَدْ يُسْتَحَبّ ذِكْره وَلَوْ كَرِهَهُ صَاحِب السِّرّ ؛ كَأَنْ يَكُون فِيهِ تَزْكِيَة لَهُ مِنْ كَرَامَة أَوْ مَنْقَبَة أَوْ نَحْو ذَلِكَ ، وَإِلَى مَا يُكْرَه مُطْلَقًا وَقَدْ يَحْرُم ؛ وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ اِبْن بَطَّال . وَقَدْ يَجِب كَأَنْ يَكُون فِيهِ مَا يَجِب ذِكْره ؛ كَحَقٍّ عَلَيْهِ كَانَ يُعْذَر بِتَرْكِ الْقِيَام بِهِ فَيُرْجَى بَعْده إِذَا ذُكِرَ لِمَنْ يَقُوم به عَنْهُ أَنْ يَفْعَل ذَلِكَ . " أ .هـ فأنت تلاحظ من كلام ابن حجر أن من السر ما يجب كتمه ويحرم كشفه حتى بعد موت صاحبه . وفي بيان ما يعد من الحديث أمانة يجب حفظه قَالَ- صلى الله عليه وسلم- : « إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِىَ أَمَانَةٌ ». قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ " ( قَالَ اِبْن رَسْلَان : لِأَنَّ اِلْتِفَاته إِعْلَام لِمَنْ يُحَدِّثهُ أَنَّهُ يَخَاف أَنْ يَسْمَع حَدِيثه أَحَد وَأَنَّهُ قَدْ خَصَّهُ سِرّه ، فَكَانَ الِالْتِفَات قَائِمًا مَقَام اُكْتُمْ هَذَا عَنِّي ؛ أَيْ خُذْهُ عَنِّي وَاكْتُمْهُ وَهُوَ عِنْدك أَمَانَة " . وقال المناوي في فيض القدير : " وقال الراغب : السر ضربان : أحدهما : ما يلقى الإنسان من حديث يستكتم ؛ وذلك إما لفظا كقولك لغيرك اكتم ما أقول لك ، وإما حالا ، وهو أن يتحرى القائل حال انفراده فيما يورده ، أو خفض صوته ، أو يخفيه عن مجالسه ، وهو المراد في هذا الحديث " أ . هـ إن هذه الأمانة قد يتهاون بها بعض الناس فلا يؤديها كما يجب ، ولا يحفظها كما استحفظ ، وما علم أنه بفعله ذلك يكون من الخائنين . قال : - صلى الله عليه وسلم - « أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا ، إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ » . وكاشف سر غيره لا يخلو من أن يكون خائنا أو نماما قال الماوردي : " إظهار الرجل سر غيره أقبح من إظهار سر نفسه ؛ لأنه يبوء بإحدى وصمتين : الخيانة إن كان مؤتمنا ، والنميمة إن كان مستخبرا " . وأعظم الخيانة أن يكشف المرء ما استودعه صاحبه من أسرار تشفيا منه لخصومة عرضت بينهما بقصد الإضرار بصاحبه ، وإلحاق الأذى به ، والنميمة بينه وبين إخوانه بقصد إيقاظ الفتنة وإحداث الفرقة والشنآن . إن كشف الأسرار قد يكون فيه إضرار بصاحبها بسبب ما يلحقه بكشفها من غضاضة في دينه ، أو طعن في عرضه ، أو نقص في حاله ، ولمعرفة كاشف ذلك السر ، وخائن تلك الأمانة بمقدار الضرر الذي يدخله على أخيه الذي ائتمنه فإنه يتمادى في إعلان ما استكتمه صاحبه ، وإظهار ما أسر به إليه رغبة في إلحاق العنت بأخيه ، والشماتة به ، متناسيا حق الأخوة ، وآداب العشرة ، وواجب الأمانة ، وحرمة المسلم . ويزداد الأمر سوءا عندما يظن كاشف أسرار إخوانه ، وخائن أماناتهم انه قد انتصر في المعركة ، وعلت رايته ، وألقم إخوانه حجرا ، وقدر على إسكاتهم وإحراجهم بفعله ذلك . ولاشك في أن ذلك نصر زائف وجرأة على الله ، وتجاوز لحدوده ، ودليل على جهل كاشف السر وخائن الأمانة ، ولكنه عمى القلوب والبصائر نسأل الله العافية من البلاء . جاء في كتاب الآداب الشرعية : " كَانَ يُقَالُ خِصَالٌ سِتٌّ تُعْرَفُ فِي الْجَاهِلِ : الْغَضَبُ فِي غَيْرِ شَيْءٍ ، وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ نَفْعٍ ، وَالْعَطِيَّةُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا ، وَإِفْشَاءُ السِّرِّ ، وَالثِّقَةُ بِكُلِّ أَحَدٍ ، وَلَا يَعْرِفُ صَدِيقَهُ مِنْ عَدُوِّهِ " د . إبراهيم بن عبد الله الزهراني Diaa45i7@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق