الأحد، أغسطس 30، 2009

الأزمة المالية العالمية (1) إذا أراد المتابع أن يكتب عن الأزمة المالية التي حلت بالعالم ، فلن يكفيه مقال في جريدة ،بل يحتاج إلى مساحة أكبر ليتمكن من الغوص في أعماق المشكلة ، وتناول الأزمة من كل جوانبها ؛ الأسباب ، والآثار ، ووسائل الحل . ومع ذلك سأحاول المشاركة في الموضوع من خلال المحاور التالية : المحور الأول : تأثير الأزمة على أمريكا إن من يكتب عن تاريخ أمريكا فعليه أن ينظر إلى الأزمة المالية الحالية على أنها بداية مرحلة جديدة من هذا التاريخ . وهي مرحلة من سماتها أفول شمس الهيمنة الأمريكية على العالم ، وانحسار نفوذها ، وانتهاء تفردها على المسرح السياسي العالمي . إن أمريكا بعد هذه الأزمة ستصبح فردا من أفراد المجتمع الدولي يتوجب عليها أن تراعي في تصرفاتها وسياساتها هذا المجتمع ، وأن تنظر لمصالحه ، وتتحسب لرد فعله . وبالتالي سترتاح دول العالم من تدخلات أمريكا في شؤونها الداخلية تحت لافتات مختلفة ، وأسباب متعددة . وسيكون بمقدور كثير من الدول اتخاذ قرارات تخدم مصالح شعوبها وستصبح المنظمات الدولية في منأى عن الإملاءات الأمريكية مما يجعلها قادرة على القيام بالمهام التي أنشئت من أجلها وإن من آثار هذه الأزمة على أمريكا زيادة على ما تقدم : 1. انتهاء نظرية الحرب الاستباقية التي تبنتها أمريكا بعد سنة من أحداث الحادي عشر من سبتمبر أي في 11|9|2002م ، وظهرت في وثيقة " إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي " حيث كان من حق أمريكا بناء على هذه النظرية أن تقوم بالضربات القوية المباغتة ضد أي طرف ترى أنه عدو حالي أو مستقبلي ، أو يهدد مصالحها الإستراتيجية في العالم على المدى المنظور أو غير المنظور، دون انتظار انكشاف الأدلة على عدوانية الطرف الآخر المقصود بهذه الضربة تقول الوثيقة: "إن على الولايات المتحدة أن تحتفظ وتظل محتفظة بقدرتها على إحباط كل مبادرة يقوم بها أو يفكر في القيام بها أي عدد من أعدائنا للنيل من قوتنا سواء كان هذا العدو دولة أو غيرها، كالشبكات الإرهابية، وأن ننتزع منه القدرة على فرض إرادته علينا أو على حلفائنا أو أصدقائنا في العالم، بل ستبقى قوتنا القوة الكبرى التي تروع جميع خصومنا وتشل قدراتهم، سواء كانوا خصوما بالفعل أو خصوما محتملين أو من أولئك الذين يسعون إلى التسابق إلى التسلح، ليصبحوا معادلين لنا أو أقوى من قوة الولايات المتحدة". إن تبني أمريكا لعقيدة الحرب الاستباقية كان بهدف تأمين المصالح الأمريكية على مستوى الكرة الأرضية وإن تعارضت مع مصالح الدول الأخرى ،معتمدة في ذلك على القوة التدميرية لآلتها العسكرية ، وبالتالي فإن أمريكا بعد هذه الأزمة لن تكون قادرة على تأمين تلك المصالح اعتمادا على منطق القوة فقط . وقد كشفت لها الحرب العراق وأفغانستان خطأ تلك النظرية ، ومدى المجازفات التي تنطوي عليها . كذلك أظهرت تلك الحرب عجز أمريكا عن تحقيق مصالحها اعتمادا على منطق القوة ، لكن الأزمة المالية سترغمها على اعتماد الوسائل السلمية للوصول إلى تفاهم مشترك مع الدول التي قد تتعارض مصالحها مع المصالح الأمريكية . 2. انتهاء الحرب على الإرهاب وتفكك التحالف الدولي من أجل ذلك . يقول المعلق الأبرز لصحيفة الصنداي تايمز سير سيمون جينكينس، في المقال المعنون ب"الواقعية تطلق أول رصاصة في تلك الحرب المجنونة " متسائلا : "هل ستفوق نفقات الحرب على الائتمان نفقات الحرب على الإرهاب أم سيعلن الانهيار المالي نهاية الحرب العسكرية ؟" ثم قال بعد ذلك مجيبا على تساؤله : "إن واشنطن ولندن وكابول وبغداد شهدت تحركات منظمة من جانب الغرب في الأسبوع الماضي لإعلان نهاية الحرب على الإسلام المتشدد". إن تهمة الإرهاب تلصقها أمريكا بكل من لا يتبنى سياساتها ، ويعترض على بعض املاءاتها ، ومع أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته إلا أن أمريكا هنا لا تلتفت إلى هذا المبدأ ، وهي المدعي والقاضي والمنفذ للحكم وأكثر من ذلك دلالة على تجاهل أمريكا لمبادئ العدل ، وتجاهلها لمصالح الشعوب أن مصطلح الإرهاب مصطلح لم يتحدد معناه من الناحية القانونية ، إلا أنها لم تلفت إلى ذلك . وقد استغلت عدم الوضوح لمعنى هذا المصطلح ووظفته توظيفا سياسيا ؛ حتى إنها جعلت الدفاع عن النفس ومقاومة المحتل إرهابا . إلا أن الأزمة المالية ستجبر أمريكا على وقف هذه الحرب ؛ لأن استمرارها يتطلب دعما ماليا غير محدود ؛ سواء أكان ذلك على شكل نفقات عسكرية مباشرة ، أو مساعدات اقتصادية للدول المساهمة في الحرب على الإرهاب ، أو كان ذلك على شكل رشا لشراء المواقف السياسية ، أو ما يدفع لشركات الأمن الخاصة التي أوجدتها وزارة الدفاع في عهد رامسفيلد‏,‏ بتعاقدات تدفع فيها مبالغ باهظة لهذه الشركات مقابل قيامها بخدمة الجهد العسكري الأمريكي في العراق‏.‏ لقد دفعت الأزمة المالية الأمريكية إلي فتح ملفات الإنفاق العسكري بكافة جوانبه‏ ؛ لأن وزارة الدفاع في عهد بوش قد ضاعفت من الإنفاق العسكري للولايات المتحدة ، ووصلت به إلى آفاق عالية نتيجة الحرب على الإرهاب التي دخلتها الولايات المتحدة ، ووصفت بأنها حرب بلا نهاية‏,‏ ومن الممكن أن تستنزف المزيد من القدرة الاقتصادية للولايات المتحدة‏.‏ د . إبراهيم بن عبد الله الزهراني diaa45i7@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق